.
.
.
إلى سكة الحديد جاء مع رحيل فجرٍ يمضي بتوءدة نحو مسكنه الكوني ، يجلس على ذاك الكرسي المتقشف الجاثم على الرصيف ، حيث بوسعه أن يفتح كتاباً ليقرأ و تارة يتأمل الأفق .
من يراه يخيل لهُ أن الشيخ ينتظر القطار ليسافر إلى الجنوب ، لكن القطار قد رحل منذ عصرِ الأمس و لن يعود إلا بعد شهرٍ على الأقل .
يفضلُ البقاء على الكرسي المهترء بدلاً من أن يغرس رأسه في تلك الوسادة يبكي دمعاً حاراً كتلك الذكريات التي حزمها رزمة رزمة ، أسرها بسياج الحنين مرة و الندم مرة .
رائحة الصباح و زخات المطر تحرك طاقته و تبعث فيه حياة جديدة تنهض به من أنقاض نفسٍ تصدعت بفعل الإحساس بغياب المعنى.
يحب ذاك المكان حيث تقبعُ محطة القطار وسط طبيعة باذخة بالغة السخاء أشجارٌ باسقة وارفة الظلال أوراقٌ شديدة الخضرة عالقة بأغصانٍ مبللة بزخات المطر ، اعشابٌ نضرة تتمايل كلما هزتها نفحةٌ باردة . ماء يجري من نبع إلى شلال خريره يبعث الإطمئنان .
بين مفاتن الطبيعية و كمائنها لم يعد يعرف إن كانت حياته حلم أم انه مجرد زائر في حلم كائن آخر ..
غياب المعنى جعل الشيخ يعتكف مع عزلته حيث يقوم بإعادة سرد الأحداث و محاولة تأويلها اصبح نصفٌ من حياته حقيقة و النصف الآخر خيال .